الإيثار والتعاون- ركائز أساسية لبيئة عمل إيجابية ونجاحٍ مستدام

المؤلف: سامي الدجوي10.15.2025
الإيثار والتعاون- ركائز أساسية لبيئة عمل إيجابية ونجاحٍ مستدام

في رحاب أكاديمية شامخة لتعليم اللغة الإنجليزية، تتألق مارية، الموظفة السعودية الطموحة، بتفانيها وإخلاصها في عملها، حيث تتجسد مهمتها الأساسية في إعداد وطباعة شهادات المتدربات بكل دقة وإتقان. وفي خضم يوم حافل بالعمل، واجهت إدارة الأكاديمية موقفًا استثنائيًا، حيث اضطرت إلى البحث عن بديل للمدربة التي اعتذرت عن مراقبة المتدربات أثناء الاختبار. وسط هذا التحدي، برزت مارية بروح المبادرة والإيثار، حيث أبدت استعدادها التام لتولي مهمة المراقبة، مدركة تمام الإدراك أن هذا القرار سيتطلب منها تخصيص وقت إضافي لإنجاز مهمتها الأساسية في طباعة الشهادات. وعندما تحدثت مارية عن هذه التجربة، أكدت أنها لم تكن تتوقع أي مقابل مادي أو معنوي نظير قيامها بهذا الدور النبيل. هنا، يتبادر إلى أذهاننا سؤال جوهري: كيف نصف سلوك مارية؟ إنه الإيثار، تلك الصفة النبيلة التي تعكس تفضيل مصلحة الآخرين على المصلحة الشخصية. فلنتأمل سويًا هذه القصة الملهمة ونستخلص منها دروسًا قيمة. أولًا، الإدارة الحكيمة تخلق بيئة عمل محفزة تحتضن المبادرات وتشجع على تقديمها. ثانيًا، ينبغي على المؤسسات توظيف الموظفين الذين يتحلون بالإيثار والمحافظة عليهم، فهم الثروة الحقيقية للمنظمة. ولكن، هل الإيثار هو السلوك الأمثل الوحيد في التعامل مع الآخرين في العمل؟ الإجابة هي أن هناك ثلاثة أنواع رئيسية من السلوكيات: الإيثار، والتعاون، والصراع. الإيثار، كما تجسد في قصة مارية، يعني تقديم العون والمساعدة للآخرين دون انتظار أي مقابل. أما التعاون، فيشير إلى تفاعل إيجابي بين طرفين أو أكثر، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات أو منظمات، لتبادل المنافع والمساعدات بهدف تحقيق أهداف مشتركة. على سبيل المثال، يمكن لإدارة الموارد البشرية التعاون مع إدارة تقنية المعلومات من خلال توفير موظفيها كمدربين داخليين أثناء إطلاق أنظمة جديدة. وفي المقابل، يمكن لإدارة تقنية المعلومات مساعدة إدارة الموارد البشرية في تطوير أنظمة إلكترونية خلال فترة التوظيف. وأخيرًا، الصراع أو التعارض هو التفاعل الذي يحدث عندما يشعر أحد الأطراف بأن تصرفات الطرف الآخر تؤثر عليه سلبًا في الوقت الحاضر أو في المستقبل، كما يحدث عندما تقرر إدارة منظمة تقليص ساعات العمل الإضافية، مما يؤثر سلبًا على رواتب الموظفين ويثير استياءهم. وهنا، يثور تساؤل منطقي: أي من هذه السلوكيات يجب أن تسعى المنظمات لتبنيها؟ الجواب هو الإيثار، فهو السلوك الذي يعزز التلاحم والترابط بين أفراد المنظمة، بينما يجب على المنظمات أن تسعى جاهدة لتقليل أو تجنب الصراع، لأنه يعيق التقدم ويضر بالروح المعنوية. دعنا، أيها القارئ العزيز، نتعمق قليلًا في مفهوم الإيثار ونطرح حالة عملية للتفكير: إذا كان لديك موظفان، الأول يتمتع بخبرة واسعة تمتد لعشر سنوات في وظيفته ويؤدي عمله بسرعة فائقة، والثاني يمتلك خبرة سبع سنوات ويتميز بالإيثار والتعاون مع زملائه، وكنت أنت صاحب القرار في ترقية أحدهما لمنصب وظيفي أعلى، فمن ستختار؟ دعنا نساعدك في اتخاذ هذا القرار الصائب. الموظف الأول يتمتع بخبرة أكبر ومهارة إضافية، ولكنه قد يميل إلى العمل الفردي على حساب التعاون مع الآخرين، مما قد يؤدي إلى عزوف زملائه عن التعامل معه. بالإضافة إلى ذلك، قد يغفل أهمية بناء علاقات إنسانية قوية في بيئة العمل، وقد يفضل مصلحته الشخصية على مصالح المنظمة أو الفريق. أما الموظف الثاني، فهو يتمتع بمهارات بناء بيئة عمل إيجابية وتواصل فعال مع الآخرين، وهما مهارتان قياديتان ضروريتان. كما أن أداءه في العمل الجماعي يتفوق على أدائه الفردي، مما يجعله شخصًا مرنًا وقادرًا على تعلم العمل بسرعة، وهذا يجعله مرشحًا أفضل لتطوير المنصب الجديد. بناءً على ذلك، يمكن القول بثقة إن سلوك الإيثار والتعاون يمكن أن يكون أكثر قيمة من الخبرة أو المهارات الفردية. ختامًا، فإن تمكين الموظفين الذين يتحلون بسلوكيات الإيثار والتعاون من الوصول إلى المناصب القيادية العليا يمثل ركيزة أساسية لخلق بيئة عمل إيجابية تعزز الإنتاجية وتحقق النجاح المستدام للمنظمات. إن تبني قيم الإيثار والتعاون في بيئة العمل ليس مجرد خيار عابر بين السلوكيات، بل هو توجه استراتيجي يسهم في بناء مستقبل مشرق ومزدهر للمملكة العربية السعودية، حيث يصبح الأفراد، وفرق العمل، والمنظمات جزءًا فاعلًا في صياغة قصة نجاح وطنية تلهم العالم أجمع.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة